
******************
شدني اليه غريب صنعه حيث كان في كل ثانية يكتب كلمة واحدة على ورقة بيضاء ثم يغضب و يرمي الورقة ويعود فيكتب على أخرى ويكرر ما فعله في كل مرة.
هنا فضولي دفعني إلى اقتحام خلوته مع اوراقه و سألته بما لا يسمح له بالتهرب أهو عشق أم ذنب؟ و هنا نظر إلي مندهشا و تنهد مرسلا انظاره الى البحر و صمت , و انا ابتسمت ابتسامة المنتصر لاني علمت ان رجل الشاطئ سيلقي الي بما يثقله و فضولي لن يقتلني اخيرا.
و لكنه باغتني وقال بعينين تتفحص ملامح وجهي: اجمع كل اوراقي واقرأ ما فيها فإني ما كتبتها ولا رميتها الا لهذا السبب.
هنا تصارعت كرامتي و فضولي بعنف ظهر بوضوح في ملامح وجهي وفي قطرات العرق المتصببة بغضب و كأنه يطلب ثمن بوحه و إرضائه لفضولي, وانا بالطبع رضخت للثمن فالهدف أجل من الا اقبل و كذلك اعتبرتها خدمة اجتماعية للوطن و لرجل الشارع الذي يكبرني بكثير على ما اظن.
فعلت و قلبت كل الاوراق وجدتها كلها تشترك بجملة واحدة جعلتني اضحك بدهشة و ابكي الألم
" كرهت البشر و الحياة" هذا ما كتب رجل الشاطئ و قرأت انا في كل اوراقه المبعثرة.
حينها انطلقت تنهيدته و بدأ الحديث قائلا:أحاول أن أكتب شيئا يدغدغ واقعي و لا يرسم حقيقة الأمر في وهج الشمس فيعلم العالم كله ما ترسب في قلبي من مشاعر ارغب جدا بالصراخ بها في كل مكان و بالكاد أقيد أوردتي وأمنعها من نثر ما تحمل في اقنية المراقبين.
كأنني أحاول الكذب و لست امتهنه, فما بالي أبالي بما اقول و بما يعرفه او سيعرفه الاخرين, فلن أكذب و لن اتحدث ... فتلك شؤوني و هذه حياتي انا و ليس لمراقب علي حكم او واجب سمع و طاعة.
لم اعد اطيق ان اكون خبزا يقتاتون به في تسليتهم و وقت فراغهم, و لم اعد أرنو إلى بسمة صفراء يرسلونها لي ثمنا لكظمي دناءة حروفهم المتناثرة على مسامعي تعلكها السنة كل المشاهدين الجالسين في مسرح الحياة.
أخطأت مرة و تبت إلى ربي و ربي غفور رحيم, و لكن البشر لا يدركون معنى التوبة و لم يدعوني يوما انسى ما فعلت.
يجبرونني كل يوم ان اتذكر جريمتي و كأنني المذنب الوحيد, و لا ينظرون الى عظيم جرائم علية القوم فهم مرفعين عن النقد.
يلاحقون اوراقي في كل مكان كما فعلت انت لأنهم يودون معرفة ما اكبت في داخلي لعلهم يستخدمونه ضدي و يدينوني بجديد فوق القديم.
اجبروني ان البس ثياب المتشرد و فاقد الاهلية, و ما رحموني بعدها.
سكنت الرصيف هربا منهم و ما رحموني بعدها.
اجبروني ان اتحول الى مهمل لا يهتم لشيء و اجبروني ان اكرههم و اكره حياتي و انا اغضب من ذاتي لانني لا اشعر الا بالكره والغضب.
ثم رفع رأسه متوجها الى عيني يخاطبني فيها قائلا" الان و قد أخبرتك و اراك حزينا و كلماتك تتفجر خلف شفاه تحبسها ... القي الي بما عندك ايه الفضولي".
هنا فعلا احترت في تناقضات افكاره و قراراته مما ارسلني الا دائرة حزنه و نزف قلبه و لكي اصدقه النصيحة, ما وجدت غير شيء واحد اذكره له و هو : ان دعك من الناس و لا تهتم بهم و توكل على الله ... و قرأت له قول الله جل جلاله " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً" ... و قبلت رأسه و غادرت ألوم فضولي و ابكي ظلم الناس له و هو التائب الى ربه ... اللهم استرنا و اعفو عنا في الدنيا و الاخره.
**************
جاد عبدالله
تعليقات
إرسال تعليق